المقالع بالمغرب .. استنزاف للملك المائي واستمرار لاقتصاد الريع
ع اللطيف بركة : هبة بريس
تعتبر المقالع بالمغرب، من القطاعات الحيوية التي لازالت تعيش العشوائية في تدبيرها ومراقبتها، بالرغم من ان المؤسسات الرقابية للدولة قد تنبهت من خلال تقارير تنجز او من خلال تظلمات جمعيات بيئية في كافة ربوع المملكة، بل ان موضوع ” المقالع ” نوقش في الكثير من المحطات خصوصا داخل المؤسسة التشريعية ” البرلمان ” كما اعترف وزراء تناوبوا على وزارة التجهيز من الخروقات التي تشهدها المقالع بالمغرب، ومدى استفادة لوبيات من عائداتها وما تخسره كذلك خزينة الدولة من اموال ، مما جعل هذا القطاع الحيوي وعشوائيته يهدد المجال البيئي ويستمر في ترسيخ ” اقتصاد الريع” ستحاول ” هبة بريس” النبش في هذا القطاع وكيف يدبر والإشكالات المرتبطة بعدم التطبيق الفعلي للقانون المنظم ومدى استفادة اللوبيات من مداخيل وحرمان جماعات ترابية من عائدات هاته المقالع .
– قوانين في الرفوف ومقالع تستنزف
صادقت الحكومة على المرسوم رقم 912-18-2 المتعلق بشرطة المقالع، الذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 23 شتنبر 2019، إلا أنه وبعد مرور أربع سنوات على إقرار هذا المرسوم لم يتم تفعيل وإخراج شرطة المقالع إلى الوجود رغم الفوضى الذي يعرفه القطاع.
وبحسب مضامين هذا المرسوم، فإن هذه المقتضيات الجديدة التي تم إقرارها للقضاء على الممارسات الفوضوية التي يعرفها قطاع المقالع، وذلك باعتماد عدة إجراءات في جميع مراحل استغلال المقالع، بدءا من تحديد المواقع حتى نهاية نشاط الاستغلال. كما عهد المرسوم لشرطة المقالع تحرير محاضر المخالفات، وتوجيهها إلى النيابة العامة ورئيس اللجنة العمالاتية أو الإقليمية للمقالع وإلى المصالح الاقليمية للسلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز.
وقد أدى إقبار شرطة مراقبة المقالع إلى استمرار الشركات المستغلة للمقالع بجهات المغرب ، من التهرب من أداء مابذمتها ، وكذا التأثير سلبا على المحيط الصحي والبيئي للمناطق المستغلة.
ومن جهة أخرى، سجلت ميزانية عدة جماعات ترابية ضعفا كبيرا في مداخيلها من الرسم المفروض على المقالع، حيث ان هناك جماعات تتوفر على عدد كبير من المقالع ، غير أن المبلغ المستخلص لفائدتها من الرسوم المفروضة ضئيل جدا مقارنة مع حجم ما يتم استخراجه من كميات من تلك المقالع .
إن المتصفح لميزانيات هذه الجماعات المحلية على اختلافها يجد أن قيمة الرسم المفروض على استخراج مواد المقالع يبقى هزيلا مقارنة مع الكميات المستخرجة من هذه المواد، حيث إن هذه الكميات لاتتناسب والطفرة العمرانية التي تعرفها عدد من جهات المملكة خصوصا المدن الناشئة .
وقد حدد المشرع الواجبات التي يستوجب على المستفيد من امتياز استغلال المقالع أداءها لوكالة الحوض المائي مباشرة، وتتعلق بالأجرة عن الخدمات المقدمة من طرف الوكالة الحوض المائي وإتاوة استغلال الملك العام المائي، هذا بالإضافة إلى الرسم الجماعي بالنسبة للجماعات المحلية.
وأمام تعدد الجهات المكلفة بمراقبة استغلال الملك المائي والمواد المستخرجة من المقالع، نجد أن الشركات واللوبي المستغل للمقالع يقوم بتقديم تصريحات عن الكميات المستخرجة من مواد البناء مجانبة للحقيقة، وهذا ما يؤدي إلى الإضرار بميزانيات الجماعات المحلية.
وجدير بالذكر، أن هذا الوضع دفع بعدد من الجماعات الترابية إلى رفض التصاريح على سبيل المثال الجماعة الترابية “أركانة ” بجهة سوس ماسة ،أقدمت في سنة 2018 على رفض التصريح المقدم من طرف إحدى الشركات المستغلة لأحد المقالع المتواجد فوق ترابها. حيث لجأت الجماعة إلى إجراء افتحاص مضاد لتحديد الكميات المستخرجة، إذ تم تحديد بالضبط كميات المواد المستخرجة، إذ تبين من ذلك الافتحاص أن الشركات عمدت إلى تزوير تصاريحها المودعة لدى إدارة الضرائب، واستطاعت الجماعة في آخر المطاف إلى استخلاص أزيد من 400 مليون سنتيم من الرسم المفروض على المقالع.
إلا أن باقي الجماعات يؤدي التواطؤ المكشوف لرؤسائها مع الشركات المستغلة للمقالع إلى ضعف الرسم الجماعي المفروض على استخراج مواد البناء. وينص قانون المالية الجماعية على الرسم المفروض على مواد البناء المستخرجة من الملك المائي تتمخض عنه واجبات مؤداة لفائدة الجماعات في حدود 90 في المائة من القيمة المصرح بها من طرف المستغلين، ونسبة 10 في المائة المتبقية يستخلصها المجلس الجهوي كرسم مضاف إلى الرسم الجماعي على مواد البناء المستخرجة من المقالع.
إلا أن الملاحظ أن تساهل وغياب مراقبة الجهات المعنية للكميات المستخرجة من المقالع يؤدي إلى قيام الشركات المستغلة للمقالع بالتلاعب في الكميات المصرح بها، مما يضيع مبالغ هامة على مداخيل الجماعات.
وبالمقابل، أدى تزايد استنزاف هذه المواد وإحداث تجويفات إلى التأثير سلبا على المحيط الصحي والبيئي بالمناطق المعنية.. وأمام تزايد المواد المستخرجة من الملك العام المائي فإن مردوديتها المالية بالنسبة للمؤسسات المنتخبة التي توجد فوق ترابها مناطق الإستغلال تبقى هزيلة. ويمكن تصفح بنود مداخيل هذه التراخيص في ميزانية هذه الجماعات ليتبين حجم الإيرادات المسجلة في هذه الأبواب.
إن القضايا المعروضة على القضاء حول النزاعات التي تتمحور حول استغلال المقالع تظهر التسيب الذي يعرفه مجال استغلال الملك المائي، وتبين أيضا عدم تقيد شركات الإستغلال بكناش التحملات الذي يدبر مسألة الالتزامات والحقوق المتبادلة بين الشركات ووكالات الاحواض المائية باعتبارها الجهة المسؤولة عن تدبير والحفاظ على هذا القطاع.
فبالنسبة لحوض سوس أدى تزايد الطلب على استخراج مواد البناء إلى تجاوز الكميات المحددة في كناش التحملات الخاص باستغلال المقالع، وإلى إحداث تجويفات بالأودية والتي من شأنها أن تهدد حياة سكان المناطق المعنية، بالإضافة إلى التأثيرات على المحيط البيئي، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية.
إن عجز الجهات الوصية على هذا القطاع على فرض القانون تجاه تجاوزات أصحاب المقالع يعد تقاعسا مفضوحا من طرف مؤسسات عمومية في أداء مهامها، كما يساهم هذا العجز في استمرار غلبة اقتصاد الريع.
تقرير رسمي : خزينة الدولة تخسر 900 مليون درهم سنويا من عائدات المقالع
كشف التقرير البرلماني للمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول مقالع الرمال والرخام جملة من الاختلالات التي يعيش على إيقاعها هذا القطاع الحيوي.
وأوصى النواب البرلمانيون في التقرير الذي أعلنوا خلاصاته خلال اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة، شهر يونيو الماضي ، بالتعجيل بوضع مخططات لتدبير المقالع على صعيد كل جهة، والعمل على ضمان التنسيق والانسجام والاتقائية بينها وبين باقي الوثائق الأخرى، من قبيل الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب الوطني، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب الوطني، وبرنامج تنمية العمالات والأقاليم، وبرنامج عمل الجماعات، والمخطط الوطني للساحل، والتصاميم الجهوية للساحل، وغيرها من المخططات ذات الصلة.
كما طالب النواب في توصياتهم بوضع مخطط “استعجالي للحد من الانعكاسات السلبية لهذا القطاع على العائدات المالية للدولة، التي تتجاوز 900 مليون درهم سنويا، وكذا على الباقي استخلاصه بالنسبة للجماعات، ومستحقات الجماعات السلالية”، وأكدوا على التوجه نحو إرساء “نوع من التوازن بين ثنائية أساسية، تتعلق بالعائدات المالية للدولة والجماعات والجماعات السلالية والمستغل والمواطن من جهة، وبين الضرورة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتوازن البيئي من جهة ثانية”.
وأوصى النواب في التقرير نفسه بضرورة تعزيز المنظومة الشاملة للحكامة من شفافية ومنافسة حرة ونزيهة، والوضوح والسلامة في كل الإجراءات المرتبطة بالقطاع”، بالإضافة إلى وضع حد للتمظهرات “الخطيرة للريع بمختلف تجلياته (ساحل أولاد صخار بالعرائش نموذجا، حيث تستغل رمال الساحل الجهة نفسها منذ سنة 1993)، والتوجه نحو اعتماد التنافسية والاحترافية في القطاع”.
وشدد تقرير المهمة الاستطلاعية على أهمية مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالمقالع والتوجه نحو منع الاحتكار من خلالها، كما أوصى المصالح والمؤسسات الإدارية المعنية بإنفاذ القانون في قطاع المقالع، ارتباطا بتعددها وعدم إنجازها لمهامها على أحسن وجه وتضارب المعطيات المقدمة من طرفها أحيانا كثيرة، بـ”تحمل مسؤولياتها فيما يجري حاليا بالقطاع، خاصة أن كل الجهات المتدخلة تقر بالاختلالات والإشكالات الحاصلة فيه”.
– رأي المجلس الأعلى للحسابات حول المقالع
سجل المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الاخير ، افتقار تدبير قطاع المقالع إلى مقاربة شمولية متكاملة، تهدف إلى تدبير أمثل ومستدام للموارد، وتثمين المواد المستخرجة، وتعزيز الطابع المهني لمستغلي المقالع، فضلا عن عدم تكافؤ فرص الاستثمار في هذا القطاع.
مضيفا أن المراكز الجهوية للاستثمار، بصفة عامة، لا تتوفر على خرائط للوعاء العقاري العمومي، نظرا لصعوبة الولوج إلى المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة العمومية التي تشرف على تدبير هذا الوعاء.
ودعا المجلس الأعلى للحسابات إلى تتميم الإطار القانوني المنظم للقطاع، لاسيما فيما يتعلق بتثمين المواد المستخرجة، وتحديد الضوابط التقنية لاستغلال المقالع المكشوفة، وصيانة محيطها وشروط إنهاء استغلالها، وكذا إلى وضع منصة معلوماتية مشتركة مع مختلف الجهات المتدخلة في تدبير القطاع.