العدالة والتنمية.. مؤتمر على وقع الأزمة والرهان على المستقبل

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في ظل أجواء سياسية متوترة وتحديات داخلية غير مسبوقة، يعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره الوطني، مستحضرا تداعيات هزيمته القاسية في انتخابات 2021، وما تلاها من زلزال تنظيمي أفقده توازنه وأضعف قاعدته الجماهيرية والتنظيمية.

يأتي هذا المؤتمر الذي ستنتهي أشغاله اليوم الأحد 27 أبريل الجاري، في لحظة فاصلة من تاريخ الحزب، الذي يجد نفسه أمام خيارين: إما إعادة بناء الذات والانبعاث من رماد الهزيمة، أو مواصلة الانحدار في ظل نزيف داخلي لا يتوقف.

المؤتمر، الذي يُنتظر أن يفرز قيادة جديدة تقود الحزب لأربع سنوات قادمة، جرى في ظروف تنظيمية ومالية صعبة، فوفق ما يؤكده متابعون للشأن الحزبي، فإن العدالة والتنمية يعيش أزمة مالية خانقة دفعته إلى إطلاق حملة تبرعات داخلية لتمويل المؤتمر، بعدما توقفت وزارة الداخلية عن صرف الدعم المالي المخصص للأحزاب، كما فقد الحزب نحو نصف أعضائه، حيث بلغ عدد المنخرطين وفق تصريحات أمينه العام حوالي 20 ألفا فقط من أصل 40 ألفا كانوا يشكلون قاعدته الأساسية.

– نقاش داخلي محتدم… وتساؤلات عن المستقبل

تصاعد النقاش داخل أروقة الحزب، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بين من يعتبر أن الوقت قد حان لإعادة النظر جذريا في الخيارات السياسية والتنظيمية، ومن يرى أن الحفاظ على بعض الرموز التاريخية هو ضمانة للوحدة والاستمرارية.

وتشير آراء بعض المتابعين إلى أن الحزب يعيش حالة من التآكل الذاتي بسبب انسحاب عدد من قياداته التاريخية، وهو ما أثّر بشكل واضح على تماسكه الداخلي وأداءه التنظيمي.

ويُعزى هذا الضعف أيضا إلى فتور العلاقة مع الذراع الدعوي للحزب، حركة التوحيد والإصلاح، بعد قرارات حكومية سابقة مثيرة للجدل، كالتطبيع مع إسرائيل، وتقنين القنب الهندي، ما انعكس سلبا على التفاعل الانتخابي للحركة مع الحزب.

أما الذراع النقابي، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، فقد أبدى بدوره انتقادات صريحة لخيارات الحكومة، خصوصا تلك المتعلقة بالحقوق الاجتماعية، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي للحزب، الذي يجد نفسه محاصرا بين تراجع الدعم الشعبي وصعوبات إعادة بناء الثقة مع قواعده.

القيادة المنتظرة: هل يواصل بنكيران؟

تشير تقديرات مراقبين سياسيين إلى أن احتمالية إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران تبقى قوية، في ظل غياب بديل يحظى بإجماع داخلي، وفي ظل تعاطف شريحة من القواعد والمواطنين معه، خاصة بعد ما يعتبره البعض تحسنا في أداء الحزب المعارض وعودته التدريجية إلى الحضور السياسي.

ويؤكد متابعون أن بنكيران، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن تفاؤله بمستقبل الحزب، استدل على ذلك بنتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة التي حصد فيها الحزب مقعدين على حساب منافسين من حزب يقود الحكومة.

ويعتبر هذا الإنجاز البسيط في نظر أنصاره مؤشرا على إمكانية عودة تدريجية للثقة الشعبية، خاصة في ظل تزايد الانتقادات لأداء الحكومة الحالية على مستويات المعيشة والأسعار.

– الرهان على إعادة الثقة

يرى متابعون أن المؤتمر الحالي يتجاوز كونه مجرد محطة تنظيمية لانتخاب قيادة جديدة، بل يمثل فرصة حاسمة للحزب لإعادة تقديم أطروحته السياسية وتجديد أدواته في التأطير والممارسة، وخلال أشغال المؤتمر الذي انطلق يوم أمس السبت 26 أبريل الجاري ، إنصب النقاش على قضايا جوهرية، في مقدمتها علاقة الحزب بالمجتمع، ومدى تجاوبه مع المتغيرات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، وكذلك على تقييم أداء قياداته خلال تجربتي الحكم والمعارضة.

ويؤكد هؤلاء أن الحزب رغم تراجعه العددي في البرلمان، لم يتراجع عن التفاعل مع قضايا الشأن العام، مستشهدا بمواقفه من ملفات مثل مراجعة مدونة الأسرة، والتعليم، وغلاء المعيشة، وهي مواقف ساعدت حسب رأيهم في إعادة ربط الصلة بجزء من القواعد التي ابتعدت بعد انتخابات 2021.

– ” البيجيدي ” بين الأزمة والانبعاث

بين قيادة منتظرة، ونقاش داخلي متصاعد، ووضع مالي وتنظيمي هش، عقد مؤتمر حزب العدالة والتنمية محمّلاً بآمال إصلاح الذات واستعادة الموقع في المشهد السياسي، و يرى محللون أن نجاح الحزب في هذه المحطة سيعتمد على قدرته في تجاوز الانقسامات، وبناء قيادة قادرة على مخاطبة الشارع بلغة واقعية، ومواكبة المتغيرات دون التنازل عن المبادئ التي تأسس عليها.

هل تنجح هذه المحاولة في إنعاش حزب عاش لحظة صعود لافتة ثم ارتطم بواقع سياسي قاس؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، بدءا بنتائج التصويت على القيادة، ومرورا بقدرة الحزب على بلورة رؤية جديدة تتجاوز ماضيه القريب وتؤسس لمستقبله السياسي.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى